الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.فتنة القرامطة مع المعز العلوي. ولما استولى جوهر قائد المعز لدين الله على مصر وجعفر بن فلاح الكتامي على دمشق طالب الحسن بالضريبة التي كانت له على دمشق فمنعوه ونابذوه وكتب له المعز وأغلظ عليه ودس لشيعة أبي طاهر وبنيه أن الأمر لولده وأطلع الحسن على ذلك فخلع المعز سنة اثنتين وثلاثماية وخطب للمطيع العباسي في منابره ولبس السواد ثم زحف إلى دمشق وخرج جعفر بن فلاح لحربه فهزمه الأعصم وقتله وملك دمشق وسار إلى مصر فحاصر جوهرا بها وضيق عليه ثم غدر به العرب واجفلوا فأجفل معهم وعاد إلى الشام ونزل الرملة وكتب إليه المعز سنة إحدى وستين بالنفي والتوبيخ وعزله عن القرامطة وولى بني أبي طاهر فخرجوا من أوال ونهبوا الأحساء في غيبته وكتب إليهم الطائع العباسي بالتزام الطاعة وأن يصالحوا ابن عمهم ويقيموا بجزيرة أوال وبعث من أحكم بينهم الصلح ثم سار الأعصم إلى الشام وتخطاها دون صور فقاتلوه وراء الخنادق وبذل جوهر المال للعرب فافترقوا عنه وانهزم ونهب معسكره وجاء المعز من أفريقية ودخل القاهرة سنة ثلاث وستين وسرح العساكر إلى الشام فاستولوا عليه فنهض الأعصم إليهم فأوقع بهم وأثخن فيهم وانتزع ما ملكوه من الشام سار إلى مصر وبعث المعز لدين الله ابنه عبد الله فلقيهم على بلبيس وانهزم الأعصم وفشا القتل والأسر في أصحابه فكانوا نحوا من ثلاثة آلاف ورجع الأعصم إلى الأحساء واستخلص المعز بني الجراح أمراء الشام من طيء حتى استرجع بهم ما غلب عليه القرامطة من الشام بعد حروب وحصار ثم مات المعز سنة خمس وستين وطمع الأعصم في بلاد الشام وكان أفتكين التركي مولى معز الدولة بن بويه لما انتقض على أبيه بختيار وهزمه ببغداد سار أفتكين منهزما إلى دمشق وكانوا مضطرين فخرجوا إليه وولوه عليهم وصالح المعز إلى أن توفي فنابذ العزيز وبعث إليه جوهر في العساكر فحاصره فكتب أفتكين إلى الأعصم واستدعاه فجاء إلى الشام سنة ست وستين وخرج معه أفتكين ونازلوا الرملة فملكوها من يد جوهر وزحف إليهم العزيز وهزمهم وتقبض على أفتكين ولحق الأعصم بطبرية منهزما ثم ارتحل منها إلى الأحساء وأنكروا ما فعله الأعصم من البيعة لبني العباس واتفقوا على إخراج الأمر عن ولد أبي سعيد الجنابي وقدموا رجلين منهم وهما جعفر وإسحق وسار بنو أبي سعيد إلى جزيرة أوال وكان بنو أبي طاهر قبلهم فقتلوا كل من دخل إليهم من ولد أحمد بن أبي سعيد وأشياعه ثم قام بأمر القرامطة جعفر وإسحق هذان ورجعوا إلى دعوة العلوية ومحاربة بني بويه ورجعوا سنة أربع وستين إلى الكوفة فملكوها وبعث صمصام الدولة بن بويه العساكر إليهم فهزمهم على الفرات وقتل منهم خلق واتبعوهم إلى القادسية ثم اختلف جعفر وإسحق وطمع كل منهما في الرياسة على صاحبه وافترق أمرهم وتلاشت دعوتهم إلى أن استولى الأصغر بن أبي الحسن الثعلبي سنة ثمان وتسعين عليهم وملك الأحساء من أيديهم وأذهب دولتهم وخطب للطائع واستقرت الدولة له ولبنيه..ذكر المتغلبين بالبحرين من العرب بعد القرامطة: كان بأعمال البحرين خلق من العرب وكان القرامطة يستنجدونهم على أعدائهم ويستعينون بهم في حروبهم وربما يحاربونهم ويقاطعونهم في بعض الأوقات وكان أعظم قبائلهم هنالك بنو ثعلب وبنو عقيل وبنو سليم وأظهرهم في الكثرة والعزة بنو ثعلب ولما فشلت دولة القرامطة بالبحرين واستحكمت العداوة بينهم وبين بني بوبه بعد انقراض ملك بني الجنابي وعظم اختلافهم عند القائم بدعوة العباسية وكان خالصة للقرامطة ودعاه إلى إذهاب دولتهم فأجابه وداخل بني مكرم رؤساء عمان في مثل ذلك فأجابوه واستولى الأصغر على البحرين وأورثها بنيه واستولى بنو مكرم على عمان ثم غص بنو ثعلب بسليم واستعانوا عليهم ببني عقيل وطردوهم من البحرين فساروا إلى مصر ومنها كان دخولهم إلى أفريقية كما يأتي ثم اختلف بنو ثعلب وبنو عقيل بعد مدة وطردهم بنو ثعلب إلى العراق فملكوا الكوفة والبلاد العراقية وامتد ملك الأصغر وطالت أيامه وتغلب على الجزيرة والموصل وحارب بني عقيل سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة برأس عين من بلاد الجزيرة وغص بشأنه نصير الدولة بن مروان صاحب ميافارقين وديار بكر فقام له وجمع له الملوك من كل ناحية فهزمه واعتقله ثم أطلقه ومات وبقي الملك متوارثا في بنيه بالبحرين إلى أن ضعفوا وتلاشوا وانقرضت دولة بني عقيل بالجزيرة وغلبهم عليها وعلى تلك البلاد أولياء الدولة السلجوقية فتحولوا عنها إلى البحرين مواطنهم الأولى ووجدوا بني ثعلب قد أدركهم الهرم فغلبوا عليهم قال ابن سعيد: سألت أهل البحرين حين لقيتهم بالمدينة النبوية سنة إحدى وخمسين وستمائة عن البحرين فقالوا: الملك فيها لبني عامر بن عوف بن عامر بن عقيل وبنو ثعلب من جملة رعاياهم وبنو عصفور منهم أصحاب الأحساء.
|